فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مِنَ الغَابِرِينَ} يعني الباقين في العذاب.
وقيل: من الباقين المعمّرين قد أتى عليها دَهْرٌ طويل فهلكت، فهي مع من هلك.
يقال: غبر الشيء يغبرغبورًا إذا مكث وبقي.
وقوله: {كَانَتْ مِنَ الغابرين} جواب سؤال مقدَّر، وهذا كما تقد في البقرة، وفي أوَّل هذه السُّورة في قصة إبليس.
والغابر: المقيم وهذا هو مشهور اللُّغة، وأنشدوا قول بي ذُؤَيْبٍ الهذلي: [الكامل]
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ نَاصِبٍ ** وإخَالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ

ومنه غُبَّرُ اللبن لبقيته في الضَّرْع، وغُبَّرُ الحَيْض أيضًا، قال أبو كبير الهُذَلِيُّ، ويروى لتأبَّط شَرًّا: [الكامل]
ومُبَرَّأ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ** وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُعْضِلِ

ومعنى {مِنَ الغَابِرِينَ} في الآية أي: من المقيمن في الهلاكِ.
وقال بعضهم: غبر بمعنى مضى وذهب ومعنى الآية يساعده؛ وأنشد للأعشى: [السريع]
عَضَّ بِمَا أبْقَى المَوَاسِي لَهُ ** مِنْ أمِّهِ فِي الزَّمَنِ الغَابِرِ

أي: الزمان الماضي.
وقال بعضهم: غَبَرَ: أي غاب، ومنه قولهم: غَبَر عَنَّا زمانًا.
وقال أبُو عبيدة: غبر: عُمِّر دَهْرًا طويلًا حتّى هَرِمَ، ويدلُّ له: {إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغابرين} [الصافات: 135]. وقد تقدَّم.
والحاصل أنَّ الغبور مشتركٌ كعَسْعَسَ، أو حقيقة ومجازٌ وهو المرجح.
والغبارُ: ما يبقى من التُّراب المُثَارِ ومنه: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس: 40].
تخييلًا لتغيرها واسودادها والغَبْراء: الأرْضُ؛ قال طرفةُ: [الطويل]
رَأيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَنِي ** وَلاَ أهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ

. اهـ.

.تفسير الآية رقم (84):

قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفهم هذا إهلاكهم، بينه دالًا على نوعه بقوله: {وأمطرنا} أي حجارة الكبريت بعد أن قلعت مدائنهم ورفعت وقلبت حتى رجم بها مسافروهم وشذابهم لأنه عذاب الاستئصال عمن لا يعجزه شيء؛ وأوضحه بقصره الفعل وتعديته بحرف الاستعلاء فقال: {عليهم} وأكد كونه من السماء لا من سطح أو جبل ونحوه بقوله: {مطرًا} وأشار إلى عظمه مزيلًا للبس أصلًا بما سبب عنه من قوله: {فانظر كيف كان عاقبة} أي آخر أمر {المجرمين} وأظهر موضع الإضمار تعليقًا للحكم بوصف القطع لما حقه الوصل بوصل ما حقه القطع من فاحش المعصية دليلًا على أن الرجم جزاء من فعل هذا الفعل بشرطه، لأن الحكم يدور مع العلة، وسياتي في سورة هود عليه السلام سياق قصتهم من التوراة بعد أن مضى في البقرة عند {إذ قال له ربه أسلم} [البقرة: 131] أوائل أمرهم، وهذا كما سومت الحجارة لقريش- لما أجمعوا أن يرجعوا بعد توجههم عن غزوة أحد من الطريق- ليفزعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على زعمهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! لقد سومت لهم الحجارة، ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب» ولكنه صلى الله عليه وسلم لما كان رسول رحمة لم يقض الله برجوعهم فمضوا حتى أسلم بعد ذلك كثير منهم، وكما أمطر الله الحجارة على أصحاب الفيل سنة مولده صلى الله عليه وسلم حماية لبلده ببركته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} يقال: مطرت السماء وأمطرت، والأول أفصح، وأمطرهم، مطرًا وعذابًا، وكذلك أمطر عليهم، والمراد أنه تعالى أمطر عليهم حجارة من السماء بدليل أنه تعالى قال في آية أخرى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} [الحجر: 74].
ثم قال: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ظاهر هذا اللفظ وإن كان مخصوصًا بالرسول عليه السلام إلا أن المراد سائر المكلفين ليعتبروا بذلك فينزجروا.
فإن قيل: كيف يعتبرون بذلك، وقد آمنوا من عذاب الاستئصال؟
قلنا: إن عذاب الآخرة أعظم وأدون من ذلك، فعند سماع هذه القصة يذكرون عذاب الآخرة مؤنبة على عذاب الاستئصال، ويكون ذلك زجرًا وتحذيرًا.
المسألة الثانية:
مذهب الشافعي رضي الله عنه: أن اللواطة توجب الحد.
وقال أبو حنيفة: لا توجبه.
وللشافعي رحمه الله: أن يحتج بهذه الآية من وجوه: الأول: أنه ثبت في شريعة لوط عليه السلام رجم اللوطي، والأصل في الثابت البقاء، إلا أن يظهر طريان الناسخ، ولم يظهر في شرع محمد عليه الصلاة والسلام ناسخ هذا الحكم، فوجب القول ببقائه.
الثاني: قوله تعالى: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] قد بينا في تفسير هذه الآية أنها تدل على أن شرع من قبلنا حجة علينا.
والثالث: أنه تعالى قال: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} والظاهر أن المراد من هذه العاقبة ما سبق ذكره وهو إنزال الحجر عليهم ومن المجرمين، الذين يعملون عمل قوم لوط، لأن ذلك هو المذكور السابق فينصرف إليه، فصار تقدير الآية: فانظر كيف أمطر الله الحجارة على من يعمل ذلك العمل المخصوص، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب، يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فهذه الآية تقتضي كون هذا الجرم المخصوص علة لحصول هذا الزاجر المخصوص، وإذا ظهرت العلة، وجب أن يحصل هذا الحكم أينما حصلت هذه العلة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} يعني الحجارة ويقال: أمطر بالعذاب ومطر بالرحمة.
ويقال: أمطر ومطر بمعنى واحد {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} أي: كيف كان آخر أمرهم، وقد بيّن قصته في سورة هود.
وقال مجاهد: لو أن الذي يعمل عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة في السماء، وبكل قطرة في الأرض، ما زال نجسًا إلى يوم القيامة وقد اختلف الناس في حَدِّه.
قال بعضهم: هو كالزاني فإن كان محصنًا يرجم وإن كان غير محصن يجلد.
وروي عن الشعبي أنه قال: يرجم في الأحوال كلها محصنًا كان أو غير محصن.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي برجل قد عمل بذلك العمل، فأمر بأن يلقى من أشرف البناء منكوسًا ثم يتبع بالحجارة، لأن الله تعالى ذكر قتلهم بالحجارة.
وهو قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} أي: حجارة وقال بعضهم: يعزر ويحبس حتى تظهر توبته ولا يحد وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} يعني حجارة من سجّيل {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين} وسنذكر القصّة بتمامها في موضعها إن شاء الله.
وروى أبو اليمان بن الحكم بن نافع الحمّصي عن صفوان بن عمر قال: كتب عبد الملك ابن مروان إلى ابن حبيب قاضي حمص سأله كم عقوبة اللوطي فكتب أن عليه أن يُرمى بالحجارة كما رجُم قوم لوط فإن الله تعالى قال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} وقال: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [الحجر: 74] فقبل عبد الملك ذلك منه وأستحسنه.
وروى عكرمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فأقتلوا الفاعل والمفعول به».
وقال محمد بن المنكدر: كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر أنّه وجد رجلا في بعض قوافل العرب يُنكح كما تُنكح المرأة فشاور أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأشهدهم في ذلك عليه، فاجتمع عليهم على أن يُحرقوه فأحرقوه. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وأمطرنا عليهم} الآية، نص على إمطار وتظاهرت الآيات في غير هذه السورة أنه بحجارة، وروي أن الله عز وجل بعث جبريل فاقتلعها بجناحة وهي ست مدن، وقيل خمس، وقيل أربع، فرفعها حتى سمع أهل السماء نهاق الحمير وصراخ الديكة ثم عكسها ورد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض. وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجًا عن البقع المرفوعة، وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجة: واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرًا}.
قال ابن عباس: يعني الحجارة.
قال مجاهد: نزل جبريل، فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط، ورفعها، ثم قلبها، فجعل أعلاها أسفلها، ثم أُتبعوا بالحجارة. اهـ.